Friday 10 June 2011

سوريا بانتظار مجزرة جديدة ، ولكن لا تتوقعوا أن يقوم الغرب بما قام به في ليبيا

توني كارون *
( كبير محرري مجلة "التايم" الأميركية)

النص الأصلي هنــا
لو كانت المواجهة الجارية في سوريا، بين نظام الرئيس بشار الأسد ومناوئيه، تتبع مسار الصراع الليبي ضد معمر القذافي، فقد يكون الوقت ضرورياً اليوم لفرض الأمم المتحدة منطقة حظر جوي. أعلنت السلطات السورية يوم الاثنين الماضي أنّ مجموعات مسلحة في منطقة جسر الشغور الشمالية هاجمت مباني حكومية بواسطة الأسلحة الرشاشة وقنابل يدوية، وقتلت أربعين عنصراً من الأمن، وهو رقم سرعان ما ارتفع إلى 120 شخصاً على محطة التلفزيون الرسمي. لم يتمكن أحد من التحقق من ذلك الرقم، بسبب منع الصحافة الأجنبية من التغطية، لكن حتى لو كان الموضوع مفبركاً، فهو يؤدي إلى النتيجة المخيفة ذاتها، إذ حذر وزير سوري بأنّ النظام سيتصرف بـ«حزم وقوّة». وعرض التلفزيون الرسمي مشاهد لامرأة ادعّت أنّها اختبأت في قبو في المدينة، بعيداً عن المسلحين المنتشرين، وطلبت من السلطات إرسال الطائرات لقصف المدينة.
وقال مناصرون للمعارضة إنّ ما حدث يوم الاثنين سبقته أيام من المواجهات في المدينة، وقال البعض إنّ مستوى العنف هو دليل على أنّ بعض القوى المحسوبة على النظام في المدينة قد تمردت، وهو ادعاء لا يمكن التحقق منه أيضاً.
في 1980، سُحق تمرد مماثل في المدينة نفسها، وقُتل عدد كبير من الناس. في المقابل، أطلق والد الرئيس الحالي، حافظ الأسد، في 1982، في حماه، الطيران والمدفعية لسحق التمرد الإسلامي هناك، عبر تدمير المدينة وقتل بين عشرة وعشرين ألف شخص. لذلك، حين تتحدث السلطات السورية عن عدد الضحايا الذين سقطوا على يد التمرد المسلح، يبدو الوضع كأنّها تُعدّ لحملة علاقات عامة تمهيداً لعملية عسكرية تضع حياة العديد من المدنيين في جسر الشغور في خطر.
وبدا واضحاً في الأسابيع الأخيرة أنّ العنف الذي استخدمته القوات المسلحة لقمع العصيان المدني أدى إلى ردّ عنيف من بعض مناصري المعارضة، تماماً كما حصل في ليبيا. لكن، رغم ما تدّعيه منظمات حقوق الإنسان من أنّ أكثر من ألف شخص قتلوا في الانتفاضة، وتوقع حمام دم في جسر الشغور، لم يدعُ أحداً مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ليناقش موضوع أيّ عمل عسكري لمنع الأسد من إطلاق قوّة جيشه تجاه المدن المتمردة. فرضت القوى الغربية بعض العقوبات الجديدة، لكنّها امتنعت عن الطلب من الأسد أن يتنحى، وحثته في المقابل على دمقرطة بلاده أو عدم وقوفه عقبة أمام تحقيق ذلك.
المنطق وراء هذا الامتناع، وتردد قسم كبير من الشعب السوري في الانضمام إلى الثورة، لا يعودان إلى أنّ نظام الأسد من وجهة نظر استراتيجية «أكبر من أن يسقط»، لكن إلى الخوف من نتائج سقوطه. ورغم ذلك، يتعرض هذا الامتناع للاختبار بنحو أكبر من ذي قبل، بسبب عنف التعاطي مع المتظاهرين.
بالطبع، هناك مكاسب على المدى القصير للولايات المتحدة، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية في حال سقوط نظام خدم كقاعدة لـ«محور المقاومة» الذي قادته إيران في الشرق، وسلّح حزب الله في لبنان، ومنح حركة حماس مركزاً لإقامتها. لكنّ الخوف من أن يؤدي سقوط النظام بطريقة عنيفة إلى أن يخلفه الإخوان المسلمون يجعل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعوديين يستمهلون. قد لا يكونون يحبون الأسد، لكنّه الشيطان الذي يعرفونه، وهو رجل ذات عادات يمكن التنبؤ بها، وبالتالي، هو حصن لاستقرار ما. «الأسد نفسه لا يعرف كيف ستكون الأمور نهاية هذا الأسبوع أو الذي يليه»، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الأحد الماضي، وأضاف: «عدم اليقين يقلقه، ويقلقنا نحن أيضاً».
هناك أيضاً الحسابات المذهبية والسياسية داخل سوريا، فالأقليات العلوية والمسيحية تقف معظمها وراء النظام، وكذلك النخب المدينية من السنّة العرب، وهم المكون الأساسي في التمرد غير الواضح. وذلك ما جنّب المدن الكبرى، أي دمشق وحلب، الاحتجاجات. من الواضح أنّ النظام لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية، ولم تجذب الانتفاضة الشعب كلّه إلى صفوفها. والنظام، من خلال أعماله، قد يكون يشجع بفعالية المقاومة المسلحة، وقد يزيد من حجمها، لتقديم نفسه على أنّه ضامن الاستقرار مقابل الفوضى. ستدفع المواجهات المسلحة العناصر الأكثر تطرفاً في المعارضة إلى الواجهة، مثلما قد يجعل الموازين تميل داخل النظام لمصلحة المتشددين.
عكس القذافي، الذي يتمتع باحتقار كامل بين الحكومات الغربية، لا يزال الأسد يحظى بمساندة جيوسياسية كافية لمنع أي عمل من مجلس الأمن ضده، حتى لو كانت القوى الغربية تميل باتجاه التخلص منه (والآن هم لا يفكرون بذلك). كان للمعارضة الليبية الجارة مصر التي كانت مستعدة لتسهيل حصولها على الأسلحة، وقطر المستعدة لشراء أسلحة مضادة للدبابات، والقوات الجوية الأوروبية المستعدة لقلب مسار المعركة لمصلحتها. لكن لا دولة مستعدة لمساندة انتفاضة مسلحة في سوريا. لكن ثوار سوريا سينالون الكثير من المساعدة والأسلحة من التجمعات المتمردة السنّية في العراق، ومن الحلفاء في لبنان المجاور.
الحقد الذي خلقه عنف النظام ربما كان قد قطع الطريق على أي إصلاح لإعادة الاستقرار، لكن من المستبعد أن تلجأ قوى المعارضة إلى الوسائل العسكرية لإطاحة الأسد. لكن يمكنهم الحفاظ على تمرد طويل الأمد، على أمل أن يؤدي خنق الاقتصاد إلى انقلاب النخب المدينية على النظام، وإلى انشقاقات داخل القوى الأمنية. كل ذلك يشي بصيف طويل، وحار وموبوء.
(*) ـ عن مجلة "التايم" الأميركية ـ ترجمة ديمة الشريف / "الأخبار"