Monday 20 June 2011

تمنيات لبنانية حول خطاب الأسد

على بشار الأسد أن يدرك أنه ـ بعد سقوط  أسطورة " البعث القائد" ـ أصبح وحده في مواجهة شعبه
طلال سلمان

سيستمع اللبنانيون، ظهر اليوم، وعلى اختلاف مواقفهم السياسية، وباهتمام يؤكد القلق ولا ينفيه، إلى الكلمة التي سيوجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى السوريين أساساً، وعبرهم ومن بعدهم إلى العرب المعنيين بالشأن السوري والذين يتابعون بوجع فصول المأساة الدموية التي فرض على «قلب العروبة النابض» أن يعيشها منذ مئة يوم أو يزيد.
بالطبع، ستهتم «الدول» جميعاً، الصديق منها والمحايد والمخاصم، إلى ما سوف يقوله الرئيس السوري، لكن ذلك ليس موضوعنا، ثم أن كثيراً من هذه «الدول» لن تغيّر على الأرجح في مواقفها، وإن ظل أهل النظام العربي ومعهم القيادة التركية، ومن ثم القيادة الإيرانية، هم أكثر المعنيين.
سينسى اللبنانيون لبعض الوقت همومهم الثقيلة ومنها السياسي والاقتصادي والأمني، خصوصاً في ضوء الاشتباك الدموي المدبّر (؟) ليل الجمعة ـ السبت، في طرابلس... فليس اكتشافاً القول إن بعض هذه الهموم قد تفاقم حدة لاتصالها وبشكل مباشر بحالة الاضطراب الدموي التي عمّت أرجاء سوريا وهددت صلابة وحدتها الوطنية، قبل نظامها وبعده، فضلاً عن موقفها السياسي المتميز، آملين أن يسمعوا ما يطمئنهم على لبنان عبر اطمئنانهم على «الأشقاء» الذين أمل بعضهم، ذات يوم أن يكونوا معهم «شعباً واحداً في دولتين»، ثم ذهب الأمل مع الريح.
ليس سراً أن آمال السوريين، ومعهم اللبنانيون، أن يكون «الإصلاح» هو مدخل الخطاب وصلبه وختامه: الإصلاح السياسي، وهو الأصل، وأن تكون الإجراءات الكفيلة بتحقيقه صارمة ومؤكدة وسريعة...
والإصلاح السياسي يلامس بالضرورة طبيعة النظام، وموقع حزب البعث منه وفيه، لا سيما بعد شهور الاضطراب الذي تمدّد من أقصى البلاد جنوباً إلى أقصاها غرباً، ومن أقصاها شرقاً إلى أقصاها شمالاً، من دون أن يظهر «الحزب» ومنظماته الشعبية والنقابية والطلابية إلخ..
لقد أسقطت شهور الاضطراب، أول ما أسقطت، أسطورة «الحزب القائد»، ولعل هذه الحقيقة قد كشفت أن «الأمن» هو الذي في الصورة، سواء عبر «أجهزته» المتعددة، أو أخيراً عبر الحصن المنيع: الجيش.
لقد ثبُت للداخل والخارج أن حزب البعث لم يعد حزباً من زمان، وأنه لم يكن قائداً في أي يوم.
والكل يعرف أن أسطورة «الحزب القائد» كانت قد سقطت واندثرت حتى في بلد المنشأ، الاتحاد السوفياتي، وأن الانقلاب عليه وإسقاطه (ومعه تلك الإمبراطورية التي كانت تمتد بمساحة نصف العالم) قد تمّ بسرعة قياسية وبغير أن يصدر عن قياداته وقواعده أي جهد جدي لمنعه.
ومع سقوط أسطورة الحزب القائد انكشف موقع القرار في القيادة، فإذا «الرئيس» وحده في مواجهة «الشعب» ومطالبه، يتوجه إليه الناس جميعاً، أو يستدعيهم ليسمع منهم مباشرة، معارضين وموالين، وتتوجه إليه «الدول»، معادية وصديقة، ولا أحد يعرف أو يعترف بغيره مصدراً للقرار.
ولعل هذا الواقع المرير قد كشف أن مصير البلاد والعباد يتعلق بقرار رجل فرد، مهما تعاظمت الثقة فيه وشعبيته في الشارع، فلن يكون قادراً على إدارة شؤون البلاد، لوحده، ومعه بضعة من المعاونين والمساعدين التنفيذيين.
لقد تبيّن أن الحزب ليس في الحكم، وليس في الشارع أيضاً، وأنه أعجز من أن يقرر، بل وأعجز من أن يؤمّن التغطية المطلوبة لشعبية القرار.
فعبر حراك شعبي تفجّر بعد جريمة مشهودة، في درعا، ثم تمدّد إلى بانياس ليتنقل بعد ذلك بين تل كلخ وبعض ضواحي دمشق، ثم في الرستن وتلبيسة وصولاً إلى حمص، ثم إلى جسر الشغور على الحدود مع تركيا، فإلى البوكمال على الحدود مع العراق، لم يظهر لحزب البعث (قائد الدولة والمجتمع) أي وجود...
وكانت ذروة المأساة أن يضطر النظام إلى إنزال الجيش لمواجهة المحتجين أو المعارضين، أو «العصابات المسلحة من أهل التطرف»، كما أسمتها أجهزة الإعلام السورية.
فهذا الجيش المكلل بمجد حرب تشرين موقعه في مكان آخر، ومهمته من طبيعة تختلف كل الاختلاف عمّا كُلّف ويُكلَّف به الآن في الداخل السوري.
وإنه لمما يوجع القلب ويهز الإيمان بثوابت اليقين أن يكون جيش الحرب الإسرائيلي ماضياً في مناوراته الجديدة التي تثبت اكتمال استعداده لحرب جديدة ضد لبنان ومقاومته أو ضد سوريا إذا هي لعبت دورها الطبيعي في الإسناد، بينما الجيش السوري ينتشر على الحدود الأخرى البعيدة عن «الجبهة»، بلا أفق واضح وبلا موعد محدد لانتهاء هذه المهمة ثقيلة الوطأة على الجيش الذي كان يُنظر إليه على أنه صاحب دور حاسم في المعركة مع العدو القومي.. متى حان موعدها.
[ [ [
يصعب الافتراض أن الرئيس السوري بشار الأسد سيعلن القرارات التي يراها كفيلة بالتقدم على طريق الإصلاح، تلبية لطلبات وصلت في بعض التصريحات شبه الرسمية لمسؤولين أتراك إلى ما يداني «الشروط» بل «الإملاءات» المباشرة.
فالرئيس الأسد يتحدث منذ زمن بعيد عن الإصلاح، وطالما رسم ملامح الطريق إليه، وطالما شكا من «الحزب» وقيادته، وطالما تذمر من النقص في أعداد الأكفاء والمؤهلين لمعاونته في إجراء «العملية الجراحية الدقيقة التي تهدف إلى معالجة أمراض النظام وليس إلى إسقاطه.. تحت العملية»!
وبرغم أن خطاب الإصلاح قد تأخر بأكثر مما يجب عن موعده الطبيعي، فإن السوريين يتطلعون إلى قرارات جريئة وبمواعيد محددة، تشمل مختلف وجوه العلاقة بين «النظام» والشعب. فلا يجوز أن توجه المسؤولية دائماً إلى «الرئيس» مباشرة عن أمور الدولة كلها وعن مطالب الشعب جميعاً.
فالدولة ليست شخصاً ومعه مجموعة معاونين. الدولة مؤسسات حقيقية تتحمل مسؤوليات جسيمة، يشارك الشعب في اختيارها بالانتخاب الحر، وتقرر الكفاءة لا الولاء من يكون في إداراتها المختلفة.
ولا خوف على الشعب السوري من الأصولية والأصوليين. لقد خبرهم فعرفهم تماماً، ولم يمحضهم ثقته في أي يوم. لكن علاج هذه الظاهرة لا يكون «بوليسياً... بل بقدر ما يتمتع المواطن بحريته في الاختيار فإنه سيبتعد عنهم، مقرراً أنهم ظاهرة تعيش على التطرف وبه، وكلما ساد مناخ مذهبي أو طائفي كانوا هم المستفيدين بداية وانتهاء.
وبالتأكيد فإن المطاردات والاشتباكات الدموية قد أعطت هذه المجموعات أكثر من حجمها الطبيعي، إذ جعلتها تظهر وكأن لها من العدة والعديد ما يؤهلها لأن تتمدد بطول الحدود مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان، ووفرت لها بالتالي إمدادات مؤثرة من خصوم النظام في الداخل والخارج.
لقد وفرت لها أخطاء النظام وقواه الأمنية فرصة الظهور بمظهر حامل راية الإصلاح والتغيير.. خصوصاً أنها حظيت برعاية أطراف لكل منها حسابه الخاص مع النظام، فاستخدمها.
[ [ [
إن عموم اللبنانيين الذين يعيشون في قلب الخوف على المستقبل، حتى من قبل أن تتفجر الدماء في الشوارع السورية، يتطلعون ـ كما أغلبية السوريين ـ إلى نهاية للمأساة التي تنذر الشعبين الشقيقين بمخاطر مصيرية، وبالتالي فهم يتوقعون أن يكون خطاب الرئيس بشار الأسد فاصلاً، وأن يفتح الباب للأمل بإصلاح جذري وشامل يستنقذ سوريا مما يتهددها من أخطار، ويسد الطريق على «التدخل الأجنبي» الذي يحاول الادّعاء أنه أحرص على الشعب السوري من قيادته (مقدماً النموذج الليبي!!)..
إن الإصلاح ضرورة فضلاً عن أنه واجب... ثم أنه حق طبيعي لهذا الشعب الصابر الذي ساند قيادته وتحمّل شظف العيش والمخاطر الحقيقية من دون أن يلتفت إلى الخارج، طالباً عونه، بل إنه صمد لكل الضغوط ومكّن الرئيس بشار الأسد شخصياً من اكتساب المكانة المميزة سواء من خلال موقفه من الاحتلال الأميركي للعراق أو من خلال دوره التاريخي في إسناد المقاومة المجاهدة في لبنان، والتي أضافت إلى رصيده الشخصي ما حصّنه.
خطاب اليوم محطة فاصلة: فإما إصلاح يؤسس لبناء دولة حديثة، بمشاركة الشعب عبر مؤسساته وتنظيماته وأحزابه السياسية متعددة التوجهات، وإما تفاقم للمأساة التي تعصف بسوريا وتهدد لبنان والعراق وسائر المشرق العربي.
والأمل أن يقول الرئيس السوري الكلمة التي ينتظرها منه شعبه، وينتظرها معه اللبنانيون الذين يعيشون دائماً في الفاصل بين مأساتين وطنيتين أو قوميتين.
"السفير"