Wednesday 22 June 2011

تنويه

يرجى العودة إلى الموقع الأصلي بعد أن أعيد بناؤه ووضع على الشبكة مجددا مساء اليوم. علما بأن عنوان الموقع الأصلي لم يزل كما هو :

Tuesday 21 June 2011

الدينامية المزدوجة في النزاع السوري

بيتر هارلينغ
باحث لدى مجموعة الأزمات الدولية مقيم في دمشق ـ عن "لوموند"الفرنسية

إذا كانت الثورة في كل من تونس ومصر قد شهدت بعض الفصول الدرامية، فإن الحالة السورية أشبه بمسلسل غامض ومعقَّد لا نستطيع أن نحزر مسار الأحداث فيه.

ينطلق العنف الذي يهزّ البلاد من حبكة مزدوجة. فمن جهة، نحن أمام ثورة تشنّها الأرياف التي أهملها النظام على الرغم من أنه منبثق منها. كان حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي، ينتمي إلى جيل من الغرباء عن العاصمة ذوي الأصول المتنوّعة جداً، وقد ناضل هذا الجيل للارتقاء اجتماعياً، والسيطرة على سلطة استولت عليها نخبة شبه إقطاعية، وبسط حضور الدولة نحو الأطراف، من خلال توفير الخدمات، وتوسيع الشبكة الإدارية، ونشر حزب "البعث"، وتطبيق مشاريع إنمائية كبرى، إلخ.

لقد نسي الجيل الموجود في السلطة الآن أصوله. فقد كبر في دمشق، واختلط بنخبة مدينية تظاهرت بقبوله، واستثمر في آلية لتحرير الاقتصاد لا تفيد سوى المدن الكبرى على حساب الارياف، تماماً كما يحصل في البلدان الأخرى. ففي الأرياف خارج العاصمة، توارت الدولة عن الأنظار، وكذلك الحزب، تاركةً للأجهزة الأمنية احتواء عدد متزايد من المشكلات هذا إذا لم تساهم فيها مباشرةً عبر التواطؤ مع المهرّبين والإسلامويين وشبكات الفساد. وفي كل مكان في سوريا تقريباً، بدأ هذا الإرث يخرج إلى العلن بقوّة.
ومن جهة أخرى، هناك الانتقام الذي ينفّذه النظام العلوي البوليسي الذي نشأ تحت جنح القمع الكبير في مطلع ثمانينات القرن العشرين، عندما واجه النظام انتفاضة مذهبية بقيادة "الإخوان المسلمين". لقد فكّك بشار جزئياً هذا النظام الذي ورثه، عبر إبعاد بارونات الأجهزة الأمنية والحدّ من انتهاكات عملائها. ينفّذ الخاسرون في هذه العملية عودة قوّية الآن، ويتبع بشار الموجة، كما كان يحصل قبلاً في مراحل الأزمات.
إذاً ما يحصل على الأرض مختلف جداً عمّا يقوله النظام، على الرغم من أنه ليس مخطئاً على كل الأصعدة. فوفقاً للخطاب الرسمي، الثورة هي تمرّد يطغى عليه المتشدّدون الإسلاميون برعاية خارجية – في ما يشبه الظاهرة التي حصلت قبل 30 عاماً. بيد أن النظام يُقاتل قواعده الاجتماعية أكثر بكثير مما يقاتل قواعد "الإخوان المسلمين" – الذين لا تلقى المبادرات التي يُطلقونها من الخارج أصداء قوّية على مستوى الشارع. إذا كانت هناك من أصولية، فهي في شكل أساسي ناجمة عن الفراغ الذي تركه حزب عاجز ودولة منكفئة وقيادة تتحصّن في العاصمة.
في الأرياف خارج العاصمة، لم يعد السوريون يرون من النظام الآن سوى وجهه الأسوأ: الأجهزة الأمنية التي لا تكتفي بقمع المسلّحين في الحركة الاحتجاجية، بل تحاول سحقها كاملةً من خلال اللجوء التعسّفي إلى العنف، ومضاعفة الإذلالات، والعمل بشتّى الطرق على رفع جدار الخوف من جديد. لكنّها عبثاً تحاول، فالمتظاهرون لن يقبلوا أبداً بأن يكون مستقبلهم خاضعاً لحكم الأجهزة الأمنية. فما يريدونه جوهرياً هو حكم الدولة، أي شكل من أشكال الحكم يضمن لهم التمثيل السياسي وإعادة توزيع الموارد الاقتصادية بقدر من المساواة... وإمكان الاحتكام إلى القضاء في مواجهة العنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية.
تدعم الغالبية الصامتة النظام ضمناً، خوفاً من أن يُسرِّع سقوطه أيضاً في انهيار ما هو قائم من هيكليّة الدولة. إنها حال شريحة كبيرة من الأقلّيات (التي ترتعد لمجرّد التفكير في أجندة إسلامية مهيمنة)، والطبقات الوسطى (التي تستمدّ مكانتها إلى حد كبير من الدولة)، ورجال الأعمال (الخائفين على مصالحهم). تقلقهم ثورة الأرياف، والمعارضة في المنفى لا تطمئنهم، فهي تدعو إلى إسقاط النظام من دون أن تطرح أيّ بديل ذي صدقيّة.
والنظام الذي يُناشَد تأمين شكل من أشكال الاستقرار، يتصرّف بطريقة ليست أقلّ فوضوية، سواء في القمع أو الإصلاح أو الحوار مع المعارضة أو أيضاً في إدارة العواقب الاقتصادية المترتّبة عن الفوضى. وإزاء تصرّفاته هذه، يقتنع جزء متزايد من هذه الغالبية الصامتة بعجزه عن إيجاد مخرج؛ باختصار، على الرغم من أن الثنائية التي كانت السلطة تتسلّح بها "إما نحن وإما الفوضى" كانت نافعة جداً لها في البداية، إلا أن عدداً متزايداً من السوريين بات يردّ على هذه المقولة بالقول: "عندما تقع الفوضى ونعاني منها، من الأفضل التخلّص منكم أيضاً". وهكذا يرسي النظام قواعد تعبئة من شأنها أن تتخطّى إلى حد كبير إطار ثورة الأرياف.
وهناك سيناريو آخر لا يمكن استبعاده على الرغم من أنه يبدو بعيد الاحتمال. توشك المقاربة الأمنية التي يعتمدها بشار وتحمل لواءها نخبة حريصة على حماية مصالحها أو تعزيزها، على إظهار فشلها الواضح. لا شك في أنها تسمح للنظام بأن يحتوي حجم التعبئة، لكنها لا تُطفئها. وهي تحفّز عسكرة بعض المجموعات المعبّأة على هامش التحرّك، مما يُكبِّد الأجهزة الأمنية مزيداً من الخسائر التي لا تستطيع تحمّلها في المدى الطويل. وتؤدّي إلى تواصل حالة من عدم الاستقرار تُفقِد النظام ما تبقّى له من الدعم. لكن نظاماً محاطاً بالكثير من الأعداء ولا يملك قاعدة شعبية راسخة لا يستطيع الصمود.
قد يدفع هذا الإخفاق بالنظام إلى البحث بصدق أكبر عن مخرج من الأزمة السياسية، عندما لن يعود لدى أنصار الخط المتشدّد ما يُقدِّمونه. يبدو الآن أنه لطالما كان الأمل في أن يأخذ بشار زمام المبادرة وينطلق في ثورة ضد محيطه، وهماً. لكن يمكن أن تتغيّر الديناميات داخل النخبة، لمصلحة عناصر أكثر عقلانية ومنطقية جرى تهميشها في السابق.
سوف تخسر الأسرة الحاكمة بالتأكيد المعركة للبقاء في السلطة وسط الفساد وعدم الكفاءة والإفلات من العقاب. القضية الوحيدة التي يستطيع الحكم أن يأمل في الدفاع عنها هي قضية الدولة، مما يقتضي التخلّص من جوانب عدّة تجعل منه "نظاماً". في هذه المرحلة، يملك الأخير الخيار بين أن يتفكّك تلقائياً بفعل أخطائه وتجاوزاته وصولاً إلى الانفجار من الداخل أو أن يتفكّك بصورة طوعية ومنهجية. إذا سار في الخيار الثاني، فسوف يحتاج إلى كل الدعم الذي يمكن أن يقدّمه له المجتمع الدولي.
الاحتمال كبير بأن يختار النظام طريق الانتحار الجماعي. في هذه الحالة، سوف يكون كل شيء، في التحليل النهائي، رهناً بتصميم المجتمع السوري، الذي يقاوم في اللحظة الراهنة ديناميات الانفجار التي يستخدمها الحكم، على دفع الأخير نحو الانتحار الجماعي من دون أن يتبعه إلى ذلك.
ترجمة : نسرين ناضر ـ النهار ـ عن "لوموند" الفرنسية

السلطة تأمر أتباعها وموظفي الدولة باستعراض القوة اليوم بعد ردود الفعل السلبية على خطاب الأسد

واشنطن تتشاور مع تركيا والسعودية لبحث الطريقة التي يجب التعامل بها مع النظام السوري
دمشق ، محافظات ، عواصم ـ الحقيقة ( وكالات): ما إن أنهى رأس السلطة خطابه اليوم ، وبعد أن اكتشف الناس أنه مجرد حملة تسويف ومماطلة جديدة بهدف كسب الوقت ، حتى خرج الآلاف إلى الشوارع في ريف دمشق وفي المدينة الجامعية بحلب ، وحمص وعدد من بلدات محافظة إدلب وغيرها. وكان رأس السلطة ألقى خطابا أمس على أحد مدرجات جامعة دمشق وعد فيه بحوار وطني في شأن اصلاحات سياسية و"تعديل دستوري أو دستور جديد"، وصولاً الى امكان تغيير المادة الثامنة التي تنص على قيادة حزب البعث للبلاد والتي تطالب المعارضة بالغائها. الا أن انفتاحه الملتبس على المطالبين بالحريات والديموقراطية والساعين الى اسقاط نظامه، لم يشف غليل المعارضة التي سارعت الى رفض الخطاب معتبرة أنه "لا يرقى الى مستوى الازمة"، ويشكل "محاولة لكسب الوقت"، وتعهدت استمرار "الثورة" الى حين تغيير النظام.
وعاد الاسد في جزء كبير من خطابه الذي ألقاه أمام مجموعة مختارة من مناصريه في جامعة دمشق، الى لهجة باتت مألوفة، متحدثاً عن "مؤامرة"، و"مخربين"، ومتعهداً إصلاحات متواضعة بلا آليات ولا مواعيد محددة.
وجاء في ساعات المساء أن السلطة أوعزت إلى مؤسسات القطاع العام ، بمن فيهم غير البعثيين ( تحت طائلة الطرد من الوظيفة) ، بالنزول الى الشارع صباح اليوم الثلاثاء "للمشاركة في مسيرات حاشدة تأييداً للنظام".
ردود فعل :
لم تقتصر الخيبة التي أثارها الخطاب على أوساط المعارضة السورية، بل تخطت الحدود الى تركيا التي رأت حكومتها أنه "غير كاف".
وقال الرئيس التركي عبد الله غول ان الخطاب عن الاصلاح في سوريا "لا يكفي"، وعلى الاسد ان يحول سوريا إلى نظام التعددية الحزبية.
أوروبا
وشدد وزراء الخارجية الاوروبيون الذين اجتمعوا في اللوكسمبور للبحث في توسيع العقوبات على النظام السوري لهجتهم، وتفاوت وصفهم الخطاب بين "محبط" و"غير مقنع"، بينما لم ير فيه الوزير الفرنسي الان جوبيه سبباً "لأخذه على محمل الجد".
الموقف الأميركي
وفي واشنطن أفادت الولايات المتحدة انها لن تحكم على بشار الاسد بالاقوال بل بالافعال، وطالبه البيت الابيض باتخاذ "اجراءات ملموسة" وذلك في رد رسمي اميركي أول على خطاب الرئيس السوري، على خلفية مواصلة المسؤولين الاميركيين جمع المعلومات القانوية والقضائية التي يمكن استخدامها اذا قررت واشنطن احالة المسؤولين السوريين على المحكمة الجنائية الدولية. وجاءت هذه المواقف الاميركية على خلفية الاعلان عن قيام السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد بزيارة للمنطقة الحدودية السورية - التركية لتفحص احوال اللاجئين والنازحين السوريين، الذين فروا من قراهم امام زحف الجيش السوري في اتجاه المنطقة الحدودية في الايام الاخيرة.
وصرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نيولاند بان الاسد "يطلق الوعود لشعبه منذ سنوات... المهم هو الافعال وليس الاقوال". وانتقدت اتهامات الاسد "للمحرضين الاجانب بدل ادراك حقيقة ان شعبه بكل بساطة يشعر بالاشمئزاز من نظام يدعم نفسه من خلال القمع والفساد والخوف". وذّكرت بمقال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الذي نشرته "الشرق الاوسط" والذي جاء فيه ان معظم الضحايا سقط برصاص قوى الامن السورية. و بعدما أشارت الناطقة الى ان السلطات العسكرية السورية قامت بعزل قاس للمنطقة الحدودية وحرمت مئات السوريين الحصول على امدادات انسانية، أعلنت ان السفير فورد زار الاثنين المنطقة الحدودية.
وكررت انتقاد الحكومة السورية لانها اخذت صفحة من كتاب القمع الايراني، كما كررت انتقاد التدخل الايراني في الوضع السوري الداخلي، ورفض قول الاسد بأن مشاكل سوريا هي من صنع خارجي قائلة: "لا نقبض ذلك". وجوابا عن سؤال شكك في ان يكون الرئيس الاسد ممسكاً بالسلطة الحقيقية في سوريا، قائلة: "لا استطيع الحكم على السياسة السورية الداخلية، واقول ببساطة انه يتحمل المسؤولية الرسمية عن أعمال الحكومة السورية". وأفادت ان السفير فورد يواصل وطاقم السفارة عقد الاجتماعات مع طيف واسع من السوريين. ورأت ان جولته في شمال البلاد ستوفر لواشنطن المعلومات عما يحدث هناك.
وعن احتمال احالة المسؤولين السوريين على المحكمة الجنائية الدولية، قالت ان واشنطن تواصل جمع المعلومات والعمل في هذا الشأن مع حكومات اخرى، كما تواصل البحث في امكان فرض عقوبات اضافية على قطاعي الغاز والنفط. وكشفت ان الوزيرة هيلاري كلينتون اجرت اتصالا هاتفيا بنظيرها السعودي الاميرسعود الفيصل ناقشا خلالها عدداً من المسائل الثنائية الى الوضع في سوريا.
الى ذلك، دعا الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني الأسد الى اتخاذ "خطوات ملموسة" في شأن وعوده بالاصلاح السياسي، وحضه على وقف القمع العنيف للمدنيين.
وسئل عن تعهد الأسد اجراء حوار وطني، فأجاب: "لا أقول إن الكلام لا معنى له... لكنه يحتاج الى التحرك بناء عليه".
وفي وقت متقدم، أفاد بيان للبيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تطرقا خلاله إلى الوضع في سوريا.
وأضاف أن "الزعيمين اتفقا على ضرورة وضع الحكومة السورية حداً نهائياً لاستخدام العنف وأن تجري فوراً إصلاحات ذات معنى تحترم التطلعات الديموقراطية للشعب السوري".

Monday 20 June 2011

تمنيات لبنانية حول خطاب الأسد

على بشار الأسد أن يدرك أنه ـ بعد سقوط  أسطورة " البعث القائد" ـ أصبح وحده في مواجهة شعبه
طلال سلمان

سيستمع اللبنانيون، ظهر اليوم، وعلى اختلاف مواقفهم السياسية، وباهتمام يؤكد القلق ولا ينفيه، إلى الكلمة التي سيوجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى السوريين أساساً، وعبرهم ومن بعدهم إلى العرب المعنيين بالشأن السوري والذين يتابعون بوجع فصول المأساة الدموية التي فرض على «قلب العروبة النابض» أن يعيشها منذ مئة يوم أو يزيد.
بالطبع، ستهتم «الدول» جميعاً، الصديق منها والمحايد والمخاصم، إلى ما سوف يقوله الرئيس السوري، لكن ذلك ليس موضوعنا، ثم أن كثيراً من هذه «الدول» لن تغيّر على الأرجح في مواقفها، وإن ظل أهل النظام العربي ومعهم القيادة التركية، ومن ثم القيادة الإيرانية، هم أكثر المعنيين.
سينسى اللبنانيون لبعض الوقت همومهم الثقيلة ومنها السياسي والاقتصادي والأمني، خصوصاً في ضوء الاشتباك الدموي المدبّر (؟) ليل الجمعة ـ السبت، في طرابلس... فليس اكتشافاً القول إن بعض هذه الهموم قد تفاقم حدة لاتصالها وبشكل مباشر بحالة الاضطراب الدموي التي عمّت أرجاء سوريا وهددت صلابة وحدتها الوطنية، قبل نظامها وبعده، فضلاً عن موقفها السياسي المتميز، آملين أن يسمعوا ما يطمئنهم على لبنان عبر اطمئنانهم على «الأشقاء» الذين أمل بعضهم، ذات يوم أن يكونوا معهم «شعباً واحداً في دولتين»، ثم ذهب الأمل مع الريح.
ليس سراً أن آمال السوريين، ومعهم اللبنانيون، أن يكون «الإصلاح» هو مدخل الخطاب وصلبه وختامه: الإصلاح السياسي، وهو الأصل، وأن تكون الإجراءات الكفيلة بتحقيقه صارمة ومؤكدة وسريعة...
والإصلاح السياسي يلامس بالضرورة طبيعة النظام، وموقع حزب البعث منه وفيه، لا سيما بعد شهور الاضطراب الذي تمدّد من أقصى البلاد جنوباً إلى أقصاها غرباً، ومن أقصاها شرقاً إلى أقصاها شمالاً، من دون أن يظهر «الحزب» ومنظماته الشعبية والنقابية والطلابية إلخ..
لقد أسقطت شهور الاضطراب، أول ما أسقطت، أسطورة «الحزب القائد»، ولعل هذه الحقيقة قد كشفت أن «الأمن» هو الذي في الصورة، سواء عبر «أجهزته» المتعددة، أو أخيراً عبر الحصن المنيع: الجيش.
لقد ثبُت للداخل والخارج أن حزب البعث لم يعد حزباً من زمان، وأنه لم يكن قائداً في أي يوم.
والكل يعرف أن أسطورة «الحزب القائد» كانت قد سقطت واندثرت حتى في بلد المنشأ، الاتحاد السوفياتي، وأن الانقلاب عليه وإسقاطه (ومعه تلك الإمبراطورية التي كانت تمتد بمساحة نصف العالم) قد تمّ بسرعة قياسية وبغير أن يصدر عن قياداته وقواعده أي جهد جدي لمنعه.
ومع سقوط أسطورة الحزب القائد انكشف موقع القرار في القيادة، فإذا «الرئيس» وحده في مواجهة «الشعب» ومطالبه، يتوجه إليه الناس جميعاً، أو يستدعيهم ليسمع منهم مباشرة، معارضين وموالين، وتتوجه إليه «الدول»، معادية وصديقة، ولا أحد يعرف أو يعترف بغيره مصدراً للقرار.
ولعل هذا الواقع المرير قد كشف أن مصير البلاد والعباد يتعلق بقرار رجل فرد، مهما تعاظمت الثقة فيه وشعبيته في الشارع، فلن يكون قادراً على إدارة شؤون البلاد، لوحده، ومعه بضعة من المعاونين والمساعدين التنفيذيين.
لقد تبيّن أن الحزب ليس في الحكم، وليس في الشارع أيضاً، وأنه أعجز من أن يقرر، بل وأعجز من أن يؤمّن التغطية المطلوبة لشعبية القرار.
فعبر حراك شعبي تفجّر بعد جريمة مشهودة، في درعا، ثم تمدّد إلى بانياس ليتنقل بعد ذلك بين تل كلخ وبعض ضواحي دمشق، ثم في الرستن وتلبيسة وصولاً إلى حمص، ثم إلى جسر الشغور على الحدود مع تركيا، فإلى البوكمال على الحدود مع العراق، لم يظهر لحزب البعث (قائد الدولة والمجتمع) أي وجود...
وكانت ذروة المأساة أن يضطر النظام إلى إنزال الجيش لمواجهة المحتجين أو المعارضين، أو «العصابات المسلحة من أهل التطرف»، كما أسمتها أجهزة الإعلام السورية.
فهذا الجيش المكلل بمجد حرب تشرين موقعه في مكان آخر، ومهمته من طبيعة تختلف كل الاختلاف عمّا كُلّف ويُكلَّف به الآن في الداخل السوري.
وإنه لمما يوجع القلب ويهز الإيمان بثوابت اليقين أن يكون جيش الحرب الإسرائيلي ماضياً في مناوراته الجديدة التي تثبت اكتمال استعداده لحرب جديدة ضد لبنان ومقاومته أو ضد سوريا إذا هي لعبت دورها الطبيعي في الإسناد، بينما الجيش السوري ينتشر على الحدود الأخرى البعيدة عن «الجبهة»، بلا أفق واضح وبلا موعد محدد لانتهاء هذه المهمة ثقيلة الوطأة على الجيش الذي كان يُنظر إليه على أنه صاحب دور حاسم في المعركة مع العدو القومي.. متى حان موعدها.
[ [ [
يصعب الافتراض أن الرئيس السوري بشار الأسد سيعلن القرارات التي يراها كفيلة بالتقدم على طريق الإصلاح، تلبية لطلبات وصلت في بعض التصريحات شبه الرسمية لمسؤولين أتراك إلى ما يداني «الشروط» بل «الإملاءات» المباشرة.
فالرئيس الأسد يتحدث منذ زمن بعيد عن الإصلاح، وطالما رسم ملامح الطريق إليه، وطالما شكا من «الحزب» وقيادته، وطالما تذمر من النقص في أعداد الأكفاء والمؤهلين لمعاونته في إجراء «العملية الجراحية الدقيقة التي تهدف إلى معالجة أمراض النظام وليس إلى إسقاطه.. تحت العملية»!
وبرغم أن خطاب الإصلاح قد تأخر بأكثر مما يجب عن موعده الطبيعي، فإن السوريين يتطلعون إلى قرارات جريئة وبمواعيد محددة، تشمل مختلف وجوه العلاقة بين «النظام» والشعب. فلا يجوز أن توجه المسؤولية دائماً إلى «الرئيس» مباشرة عن أمور الدولة كلها وعن مطالب الشعب جميعاً.
فالدولة ليست شخصاً ومعه مجموعة معاونين. الدولة مؤسسات حقيقية تتحمل مسؤوليات جسيمة، يشارك الشعب في اختيارها بالانتخاب الحر، وتقرر الكفاءة لا الولاء من يكون في إداراتها المختلفة.
ولا خوف على الشعب السوري من الأصولية والأصوليين. لقد خبرهم فعرفهم تماماً، ولم يمحضهم ثقته في أي يوم. لكن علاج هذه الظاهرة لا يكون «بوليسياً... بل بقدر ما يتمتع المواطن بحريته في الاختيار فإنه سيبتعد عنهم، مقرراً أنهم ظاهرة تعيش على التطرف وبه، وكلما ساد مناخ مذهبي أو طائفي كانوا هم المستفيدين بداية وانتهاء.
وبالتأكيد فإن المطاردات والاشتباكات الدموية قد أعطت هذه المجموعات أكثر من حجمها الطبيعي، إذ جعلتها تظهر وكأن لها من العدة والعديد ما يؤهلها لأن تتمدد بطول الحدود مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان، ووفرت لها بالتالي إمدادات مؤثرة من خصوم النظام في الداخل والخارج.
لقد وفرت لها أخطاء النظام وقواه الأمنية فرصة الظهور بمظهر حامل راية الإصلاح والتغيير.. خصوصاً أنها حظيت برعاية أطراف لكل منها حسابه الخاص مع النظام، فاستخدمها.
[ [ [
إن عموم اللبنانيين الذين يعيشون في قلب الخوف على المستقبل، حتى من قبل أن تتفجر الدماء في الشوارع السورية، يتطلعون ـ كما أغلبية السوريين ـ إلى نهاية للمأساة التي تنذر الشعبين الشقيقين بمخاطر مصيرية، وبالتالي فهم يتوقعون أن يكون خطاب الرئيس بشار الأسد فاصلاً، وأن يفتح الباب للأمل بإصلاح جذري وشامل يستنقذ سوريا مما يتهددها من أخطار، ويسد الطريق على «التدخل الأجنبي» الذي يحاول الادّعاء أنه أحرص على الشعب السوري من قيادته (مقدماً النموذج الليبي!!)..
إن الإصلاح ضرورة فضلاً عن أنه واجب... ثم أنه حق طبيعي لهذا الشعب الصابر الذي ساند قيادته وتحمّل شظف العيش والمخاطر الحقيقية من دون أن يلتفت إلى الخارج، طالباً عونه، بل إنه صمد لكل الضغوط ومكّن الرئيس بشار الأسد شخصياً من اكتساب المكانة المميزة سواء من خلال موقفه من الاحتلال الأميركي للعراق أو من خلال دوره التاريخي في إسناد المقاومة المجاهدة في لبنان، والتي أضافت إلى رصيده الشخصي ما حصّنه.
خطاب اليوم محطة فاصلة: فإما إصلاح يؤسس لبناء دولة حديثة، بمشاركة الشعب عبر مؤسساته وتنظيماته وأحزابه السياسية متعددة التوجهات، وإما تفاقم للمأساة التي تعصف بسوريا وتهدد لبنان والعراق وسائر المشرق العربي.
والأمل أن يقول الرئيس السوري الكلمة التي ينتظرها منه شعبه، وينتظرها معه اللبنانيون الذين يعيشون دائماً في الفاصل بين مأساتين وطنيتين أو قوميتين.
"السفير"